
سامح الله ماركس وإنجلز، فقد اعتقدا في بيانهما أن الشيوعية هي ذاك الشبح، لكنّه كان النقيض! وكونه كذلك -أي نقيض- لا يعني أنّه “شبح الرأسمالية”؛ فهذا الشبح يبدو معقّدًا ومُركّبًا وفي ثناياه طبقات داخل طبقات وظلمات فوق ظلمات. إنه هجين أو مسخ، وإجحافٌ بحق هذا المَسخ الأبشع من مَسخ فيلم The Substance أن يُختزَل إلى تجريدات مثل الرأسمالية، مع أن رأس المال مشكلة بذاته ولذاته، لكن هل هو لوحدِه المُقيم في جسد هذا الشبح/المسخ؟
حسنًا، ماذا عن شبح الهلوسات/الخرافات التي غُصِبَت على التحوّل إلى حقائق (كما في حالة “دولة الـيهود” و”داعش” وأخواتها “النواعم”) في مزجٍ سُريالي بين ما هو دِيني ودُنيوي، بين ما هو فانٍ وسرمدي؟
ماذا عن شبح المُصطَنَع وقد انقضَّ على الواقع وشبح الصورة/النُسخة وقد سَرَقَ الأوراق الرسمية للأصل وقتله وانتحل شخصيته؟ وشبح المشهديّة وهو يَخنِق الحَدَث كما حَدَث أو يَخلِق من العدم حَدَثًا ما حَدَث؟ وشبح الأخ الكبير وقد نجح في تحويل من كان أخًا لهم -أي الناس العاديين/المواطنين/العوام (أو “رعيّة” الأخ الكبير “الراعي” بالصيغة التُراثية) إلى إخوةٍ كبار ورُعاة، يُراقبون بعضهم بعضًا ويتنافسون باجتهاد في لعبة الضحية والجلّاد.
وماذا عن البيروقراطية التي تُعيد إنتاج نفسها في القطاع الخاص في مشاهد كوميديا سوداء تتفوّق على مسلسل The Office ممزوجًا بأفلام الأخوين كوين؟ وماذا عن المانحين المموّلين لمُعارضيهم من خلال مساحات ومنظّمات وشبكات بلا حدود وبحدود؟
وماذا عن جبل الجليد الغائر من النُخبة الحاكمة والطبقة المُهيمِنَة واللامرئي من الاقتصاد السياسي والعدوّ المُتنكّر في زيّ صديق، وسط عجزٍ جَمعي عن التمييز بين الاثنين. وماذا عن شبح الفاشيات المُتعدّدة المُزدَهِر بالتوازي -والتواطؤ- مع ازدهار النيوليبراليات المختلفة؟ وماذا عن البروباچندا المُنفَق عليها مليارات وتُخفي حقيقة أنّها بروباچندا ولا يَرى الناس ما هو مكتوب بين عَينيّ «مسيحها الدجّال»؟!
هل كل ما سبق أعراض لمرض “الرأسمالية”؟ أما كلها -مع رأس المال/الرأسمال- أمراض ينضح بها هذا الشبح/المَسخ.. الذي انتاب وينتاب العالم من الجنوب إلى الشمال؟ في الحقيقة أو ما يُشبَّه لنا أنّه حقيقة: لا جواب واضح، قاطع أو حاسم! ربما الشيء الوحيد شبه الأكيد أن الطبقة التي كان يُفترَض أن تُسبّب الارتعادات لكل الطبقات -كما جاء في البيان- هي الآن تَرتَعِد وعن أحلامها تَبتَعِد وهي تُشاهِد هذا السيرك الترامبي الماسكي (أو صِفهُ بما شئت إلّا أورويلي؛ فهذا وصفٌ قد عفا عليه الزمن!).
ويبدو أنّ الطبقات الأخرى هي التي ليس لديها ما تخسره، بل أمامها الكثير لتكسبه (المليارات، التريليونات والأراضي الواسعة والمساحات الشاسعة من القلوب والعقول… إلخ)! أما تلك الطبقة، فمُطبَقٌ على أنفاسها بأنواع جديدة من الأغلال والاستغلال والاستغفال وليس أمامها إلا الخسارة تلو الخسارة، وليس في الخسارة أيّ جسارة.
———————————————————-
*الصورة من فيلم Cosmopolis أو المدينة العالمية (2012)، للمخرج الكندي ديڤيد كرونِنبِرج، رائد صناعة أعمالٍ عن المسوخ والوحوش بأشكالها الفعلية والمعنوية والمهووس بتحلّل الأجساد والواقع كذلك.