
بإمكانك أن توفّر ساعتان ونصف من وقتك، لاستثمارها في شيءٍ مفيدٍ أو ممتعٍ أو حتى في ممارسة رياضة التحديق في
السقف، بدلًا من إهدارها في مشاهدة Wonder Woman 1984، هذا “الفيلم المنتظر” الذي يمكن للمرء الاستمتاع به في حالتين فقط: لو كان أحد أفلام الباروديا التي تسخر من الأبطال الخارقين أو فيلمًا تعليميًا موجّهًا للأطفال ليغرس بهم قيم الخير والحب والصدق والانتصار لـ”الحق” وضرورة قول الحقيقة.. إلخ.
لكن حتى ذلك يبدو مهمةً مستحيلة؛ فالمُجنّدة السابقة في جيش الاحتلال وعارضة الأزياء والممثّلة “الإسرائيلية” چال چادوت تبدو أسوأ من نجمة أفلام بورنو تُزيّف الوصول للأورچازم وتبالغ في ردود فعلها، وهي تمارس الوعظ الأخلاقي. وحتى إن كُنتَ من “دعاة الفصل بين الفنّ والسياسة” وتجاهلتَ أصلها وماضيها -وهذا صعب بل مستحيل-، فإنّ حديثها مثلًا عن خطورة بناء حياتنا على الأكاذيب ونبذها للسرقة والسارقين -يا للمفارقة- لا يمكنك إلّا أنْ تلاحظ كم هو طافحٌ بالزيف والاصطناع.. وكم هو مثيرٌ للضحك الشديد!

هُناك قصّة عظيمة بلا شك.. لكن في مكانٍ آخر
أو أمامك خيارٌ آخر، في حال نجحَ صُنّاع الفيلم باصطيادِك بسِنّارة إعلاناته التشويقيّة، فشعرت أنّك أمام قصّة غير تقليدية وانتابك فضولٌ شديد لمعرفة ما الذي سيواجه المرأة الأعجوبة/العجائبية في العمل السينمائي الثاني المخصّص لها، خاصةً وأنّ الجزء الأوّل -الذي أخرجته أيضًا الأميركية باتي جينكينز- كان جيدًا نسبيًا وربما جيّدًا جدًا إذا تمّت مقارنته مع أفلام “عالم دي سي المُمتّد/المُوسّع” (DCEU). حسنًا، الخيار الثاني هو مشاهدة الحلقة التاسعة من الموسم الأوّل من مسلسل الرسوم المتحرّكة الكوميدي الأميركي Rick and Morty.
هذا الخيار ليس فيه اختصارٌ وتوفيرٌ للوقت (22 دقيقة) فحسب، أيضًا فيه متعة وذكاء تواجه أعمال دي سي منذ 2013 مشكلة حقيقية في الوصول إليها، وعالمها الجديد الواسع هذا بكلّ أبطاله الفائقين والمتفوّقين يفشل في التفوّق على العجوز السكّير لكن العبقري ريك سانشيز صاحب المغامرات العابرة للأكوان والمجرات وكاره الحكومات وكاشف المؤامرات، الذي يبدو بطلًا خارقًا أكثر أصالة بالرغم من عدم إيمانه بالبطولة واحتقاره للأبطال الخارقين الذين وصفهم في الحلقة الرابعة من الموسم الثالث بـ“مجموعة من مُفرِطي الدراما الذين يمضون ساعةً وهم يتحدّثون و20 دقيقة في القفز في كل الأنحاء، بينما تنفجر وتتدمّر الأشياء!” لكنّ ريك وعوضًا أن يكون بطلًا خارقًا هو فوضوي أناني بقدراتٍ خارقة.
في الحلقة المُعَنوَنة بـSomething Ricked This Way Comes يحدث شيءٌ مشابه، يفتتح شخصٌ يُدعي MR. Needful متجرًا لتحقيق الأمنيات، وفعلًا يُحقّق أمنيات زبائنه، وفي المقابل يأخذ مستر نيدفول -الذي يكشف ريك أنّه الشيطان ذاته- أثمن أشياء زبائنه الذين تحقّقت أمنياتهم؛ فمثلًا يصبح أحدهم مرغوبًا من جميع النساء، لكّنه يُصاب بالعجز الجنسي. ومع ذلك، هو شيطانٌ واضح، إذ يؤكّد منذ البدء: “المرء لا يدفعُ هنا.. بالمال!”.

وفي “المرأة الأعجوبة 1984” القصّة نفسها مع اختلافٍ بسيط، في البدء كان هذا “الشيطان” حجرًا لتحقيق الأمنيات، وفيما بعد تمثّل في أحد خصومها “ماكسويل لورد”، بعد أن يلمس الحجر ويتمنّى أن يصبح هو ذاته الحجر! لكنّ هذا الخصم ليس شيطانًا كما في “ريك ومورتي”؛ فهو مجرّد رجل عائلة فاشل ومدّعٍ ومُحتال، يريد تملّك كل شيء وفعلًا يحصل عليه، حتى أنّه يُسيطر على الرئيس الأميركي -الذي يبدو شكله هجينًا من رونالد ريغن (الرئيس في ذلك الوقت) والمغنّي الإنكليزي الراحل ديڤيد بووي- ويُشعِل حربًا نوويّةً بين الأميركيين والسوڤييت، لكن كلّّ تلك السلطة والقوّة بثمن؛ فحتّى الشيطان يدفع الثمن هُنا!
المياه كلّها بلون الغرق في الوعظ الأخلاقي
هذه القصّة التي نجد جذورها في الأساطير القديمة والأديان الإبراهيمية -أليست هي نفسها حكاية معرفة الإنسان للخير والشر مقابل ثمنٍ باهظ: الهبوط من الجنّة أو فقدان الفردوس؟- تغرق في دراما لا تُجيدها چادوت، وفي وعظٍ أخلاقيٍ -كما ذكرنا سابقًا- على طريقة محمد صبحي في “يوميات ونيس” أو سلّوم حدّاد في “مذكّرات عائلة”. بينما في “ريك ومورتي” القصّة مَرِحَة وممتعة ومضحكة، وتأتي في إطار مغامرات ريك الخيالية العلمية ذات الطابع “السايكدليكي” إن جازَ الوصف.
من الأعراض الجانبية للفيلم: “الديجاڤو”
من الأعراض الجانبية الشائعة لهذه القصّة شعور الـ”ديجاڤو”؛ فكم مرةً شاهدنا فيلمًا يُهدَّد فيه السلام العالمي وتصلُ البشرية إلى شفير الهاوية بسبب رجلٍ صاحب طموحاتٍ مجنونة مثل لِكس لوثر عدو سوبرمان اللدود، لكن كما ذُكِر سابقًا هذا الرجل ليسَ فائق الذكاء ولا داهية، وليس مجهّزًا بأحدث التقنيات ولم ينشأ على نصوص نيتشه وماكيافيللي وصن تزو، كما ذكر لوثر نفسه في الحلقة 17 من الموسم الأول لمسلسل Smallville.
هذا الرجل-الحجر الشيطاني الذي ينبش أسوأ ما في البشر ويُشعل نار حربٍ نوويّة بين أكبر قوّتين كونيّتين في وقته هو إنسانٌ عادي جدًا، وكأيّ إنسانٍ حازَ على مصدر قوّة أو ظفر بسلطة -بعد أن تمثّل فيه الحجر- أفعاله متوقّعة ومفهومة، خاصةً وأنّه نشأ في حضن الظلم والاضطهاد والقمع.. فوالده كان يُعنّفه -أووه كما ذلك غير متوقّع وصادم!-.. إذًا، شيطان هذا الفيلم ضحيّةٌ للمجتمع والعالم الذي يُعاني من اِعوجاجٍ ستتكفّل الأميرة ديانا الأمازونية بتقويمه بقدرٍ قليلٍ من العنف المُبرّر منزوع الدسم وبخطابٍ إنسانوي أخلاقوي مبتذل على الطريقة الغانديّة.

تكريس الصور النمطية أو المساواة على الطريقة الغربية
وليستَ القصّة المكرّرة التي “هُرِسَت 300 مرّة” -كما قيلَ على نحوٍ ساخر في فيلم “لا تراجع ولا استسلام”– هي مشكلة WW84 الوحيدة، هناك أيضًا الصور النمطيّة الهوليودية المعتادة التي يبدو أنّها تُحافظ على جودتها البائسة مع مرور الزمن؛ فالمصريون في عام 1984 لا يشبهون المصريين في شيء ولا يتحدّثون العامية المصرية بطلاقة، بينما البطلة تتحدّثها! المصريون هنا أقرب للشعب الأفغاني من ناحية المظهر والملبس ونمط الحياة، وهو خلطٌ متعمّد ضمن سياسية تحقيرٍ ممنهجة تقول ضمنيًا: كلّكم بالنسبة لنا واحد، جميعكم مُتخلِّفون وبدائيون ترتدون العباءات وتعتمرون العمامات ولون بشرتكم موحّد.
مصر نفسها وكما كان متوقّعًا قبل البدء في الفيلم حتى، صحراءٌ عشوائية ليسَ فيها ما هو جميلٌ أو أصيل إلّا الأهرامات التي تأتي في سياق صراعٍ سياسي يُظهرها كمجرّد شقّة ضخمة تقع في “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” مملوكة للغربي الذي يعود إلى قضاء الوقت فيها والعبث بأركانها متى شاء! وهُنا لا يمكن التغاضي عن حقيقة أصل وفصل چادوت، تلك الحسناء الخارقة التي جاءت لتًنقِذ الأهرام المبنيّة بسواعد أجدادِها الخارقين كما يزعم مناحيم بيچن وآخرون.


فرط الحسد.. أو صراع أميرات ديزني
أمّا الصراع بين “الأميرة ديانا/المرأة الأعجوبة” وخصمها الرئيسي “باربرا مينرڤا/شيتا”، فيبدو صالحًا للاستهلاك في أفلام الرسوم المتحرّكة التي تنتجها “وُالت ديزني”؛ إذ سبق ورأينا هذا الصراع مئات المرّات في هذه الأعمال خارقة الجمال -من ناحية الصورة غالبًا-، حيث يُغذّي “فرط الحسد” المخطّطات الشريرة لأميرة تجاه أُخرى أعلى منها مرتبةً أو شأنًا، أو أخت تجاه أختها الأجمل والأكثر شعبية منها.
وإذا انزلقنا إلى مبالغةٍ في مقاربة هذا “الصراع الديزني”، فلا بد من الإحالة إلى كتاب الفيلسوف السلوڤيني سلاڤوي جيجيك المُعنوَن بـ“العنف”، إذ يقول فيه: “إنّ الشخص مُفرِط الحسد لا يُحاول الرضا برخائه الخاص بل ببؤس الآخرين فحسب، وهو أكثر انشغالًا بالآخرين من انشغاله بنفسه، وهدفه الحقيقي تدمير قابلية/قدرة الآخر على الاستمتاع بالشيء”. وهذا تمامًا تفسير عداء باربرا العادية والضعيفة فاقدة الثقة بنفسها تجاه الأميرة الفاتنة والقوية الواثقة بنفسها ديانا!

تمثال شمعٍ جميل.. لكنٍ خاوٍ من الروح
هل من مزيد؟.. نعم. هناك مشكلةٌ كُبرى، البطلة ذاتها! بعيدًا عن الدخول في أصلها والولوج إلى خلفيّتها، ألا يبدو اختيار چال چادوت لهذا الدور خطيئةً بحقّ “المرأة الأعجوبة”؟ فنحنُ نعلم جيدًا، من خلال قصص دي سي المصوّرة وأفلام ومسلسلات الرسوم المتحرّكة المستندة إلى هذه القصص، وعبر تأديّة الفنّانة ليندا كارتر لشخصيّتها في مسلسلها في سبعينيّات القرن المنصرم، أنّها ليست تمثال شمع جميل وفاتن.. لكن خاوٍ من أي روح، تُحرّكها المؤثّرات البصرية! وحتى وهي تُجاهدُ لكي تبدو غير منزوعة الروح، تتحدّث بصوتٍ عسكري تطغى عليه الروبوتيّة يُذكّر بفين ديزل زميل چادوت في سلسلة أفلام “السرعة والغضب”. لكنّ هذه الخطيئة يبدو أنّها سياسة متّبعة في “عالم دي سي الممتّد”: أن تجلب تماثيل شمع حسنة المظهر وطويلة القامة وممشوقة العضلات لتأدية دور أبطالٍ يُفترض أنّهم ممتلئون بالروح ونابضون بالحركة الحقيقيّة وفائضون بالقوّة الأصيلة، أن تكون البطولة الخارقة زائفة ومفروضة.
موسيقى الإعلان.. الشي الوحيد الذي يبقى عالقًا في الأذهان
ثمّة شيء واحد عظيم متعلّق بهذا الفيلم، موسيقاه التي ظهرت في إعلانه الترويجي الأوّل، وأقصد تحديدًا أغنية Blue Monday، للموسيقي الألماني سيباستيان بوم، وهي النسخة الريمكس عن الأغنية الأصلية لفرقة الروك الإنكليزية New Order التي صدرت أوّل مرّة عام 1983. عدا ذلك، لا أجدٌ ما يستحقّ المتابعة إلّا إذا كنتَ تريد التيقُّن من حقيقة أن الصور النمطيّة الهوليودية لن تتغيّر وأنّه بإمكان ممثّلةٍ أن يشفع لها جمالها وأصلها وعملها السابق، فتؤدّي دورًا أكبر منها وأنّ خطب الوعظ الأخلاقي يمكن أن تجلب الملايين إذا تم حشرها في فيلمٍ للأبطال الخارقين!