
بطلقات مسدّسه يُحطّم الجوكر أساطير النجوم والمشاهير وصنّاع الرأي العام، أو ببساطة “المؤثّرين” بلغة واقعنا المأزوم. ويُعلن في آخر كلامٍ موجهٍ لمثله الأعلى الكوميدي موراي فرانكلين أن هذ الآلهة الزائفة الدجّالة ستنال ما تستحقّه.. الموت!
ولا يختلف ما فعله جوكر واكين فينيكس، عمّا فعله جوكر الراحل هيث ليدجر في فارس الظلام (2008) أو حتى باين في نهوض فارس الظلام (2012)؛ الثلاثة سعوا لتحطيم أصنام البطولة ونزعة هالة القداسة عن منقذي غوثام. ومن نجح حتى النهاية هو جوكر فينيكس، وإن كان نجاحه على حساب خلق بطولةٍ جديدة.. بطولته هو! لكنّها بطولة عفويّة، لم يُخطِّط لها -ومنذ متى كان للجوكر خُطط؟!- بل كانت وليدة لحظة الجنون والابنة الشرعية للفوضى. ولا أظنّ أنه يبحث عن أتباع وأنصار ومريدين، وحتى علامات السعادة التي ترتسم على محياه وهو في سيارة الشرطة وحين يتم رفعه بين الجماهير كرمزٍ ثوري، ليست لميلاده كبطل ثوري ولا لولادة ثورةٍ لا يؤمن بها ولا تعنيه، بل لتحوّل غوثام من تراجيديا إلى كوميديا، مثل حياته تمامًا!
يقرع الجوكر بمطرقة جنونه صنم النجومية/الشهرة/صناعة الرأي العام، أو ما يسمونه اليوم “التأثير”. يُشخّص هذا المُهرّج الجاد جدًا، صاحب البدلة الحمراء، المرض -أو أحد أعراض مرضٍ أكبر-، ويؤكد أن هذه الأصنام مصابة بالهشاشة، مصنوعة من تمرٍ رديء تأكله النخب والطبقات المهيمنة والمروّجون لها (أصحاب رأس المال) وحتى الجماهير -المتقلّبة بين التأليه والشيطنة لأن إطلاق الأحكام واتخاذ المواقف عندها مُتبدّلٌ كسوق بورصة- حين يستنفذ غرضه، حين يصبح وجهه مستهلكًا وخطابه غير متوافق مع متطلبات السوق وآخر صيحات الرأي الذي يتبدل بوتيرةٍ سريعة وسط حالةٍ من السيولة الشاملة، أو ببساطة عندما يأكله الوقت!
يصدح مُهرّج غوثام المجنون وأمام الملأ، بإعلان قتل هذا الإله الزائف، ذلك المسخ الناتج عن تزاوج رأس المال مع ثقافة النجومية أو عبادة النجوم التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ. ويفضح خرافة “الرأي العام” ويُعرّي صُنّاعه أو من يسمّون أنفسهم “مؤثرين”، فيخلع أقنعتهم؛ ليفاجئ الجميع: إنهم ليسوا تنويريين، وليس بحوزتهم أية حقيقة يمكن تقديمها للناس أو أي شيء له معنى.. إنهم يصنعون الأكاذيب فقط، وهم المُهرّجون الحقيقيون بتنمّرهم وسخافة ما يقدّمونه من أجل المشاهدات والشهرة والربح، وليس في جعبتهم إلّا الاستعراض وتحويل كل حدث وكل فرد إلى موضوعٍ للفرجة. أما هو، فقد صنع رأيًا عامًا حقيقيًا، وإن كان بحركة عنيفة مُتطرّفة، لكنها في سياق أحداث العمل مفهومة وضرورية ولم يكن هناك مفر منها؛ ليؤكد لموراي بعد إسقاط قناعه، أنه هو المهرج الحقيقي وأنه جاء الوقت الذي ينال فيه ما يستحقه. وربما نحن اليوم، ننال ما نستحقّ فعلًا على شكل مؤثّرين ومُلهمين وناشطي تواصل اجتماعي وقادة رأي وتنويريين ومُتحدّثين مُحفّزين ومدرّبي حياة وأصحاب قصص نجاح… إلخ.