الجوكر مُجدّدًا: عن الكبت والسعادة

لقد كانَ الكَبْت، هو الخالق الأعظم للجوكر أو من باب الدقّة “حالة الجوكر”؛ فكّل ما عليك فعله إذا أردت خلق مسخٍ من الجنون والعنف المُنفلِت من عقاله، أن تُمارِس كبتًا مُمنهجًا. والكبت هُنا ليس جنسيًا فقط، وإن كان الحرمان من الجنس بالضرورة مُهمًا وعاملًا رئيسيًا في تغذية أيّ نزعةٍ متطرّفةٍ أو لا معقولة، وقد أشرتُ إلى ذلك في ما كتبته في شهر تشرين الأوّل الماضي، حول فيلم الجوكر (2019)، ذلك الفيلم الألمعي، الذي جاء في وقته (على الأقل على صعيدٍ شخصي).

إنه كبتٌ شامل، يبدأ بوضع الإنسان في حالةٍ متواصلةٍ من انعدام السعادة، بجعله جزءًا تافهًا من مُعادلةِ غيرهِ الكُبرى (أُمّ آرثر، وتوماس واين، ومترفو غوثام، وموراي فرانكلين)، وبأن يحيا يوميًا على نحوٍ لا يريده ولا يجد فيه ذاته، ويتعرّض فيه لمهانةٍ مختلفة الأشكال (عمله).. وفي أحد مشاهد الفيلم، يشخّص آرثر داءهُ، بأنه لم يكن سعيدًا ولو لدقيقةٍ واحدةٍ في حياته!

يتحقّق الكبت هُنا، على هيئة سيرورةٍ من انعدام السعادة، تقود الفرد إلى طرقٍ لا معقولةٍ ومجنونة، بوصفها الملاذ الأخير لتحقيق هذه السعادة. إما أن تُترجَم بالانتحار، كنوعٍ من أنواع الوصول إلى سعادةٍ لا يمكن تحقّقها في الحياة (أمنية آرثر بأن يكون موته منطقيًا أكثر من حياته) أو إلى أفعالٍ متطرّفةٍ، كالقتل اللامُبرّر والعنف المسعور، تجلب السعادة وتُعطي شعورًا بالرضا والراحة وتحقيق الذات والنشوة. ويبدو رقص الجوكر بعد قتله للمُتنمّرين الثلاثة في القطار، كانتشاءٍ لم يتحقق في ظل انعدام ممارسة الجنس والشعور بالحب أو الحصول على الاهتمام.

يبدأ آرثر بالتحرر من أسر الكبت، ليتمرّس أكثر في مقاومته، عند قتل زميله السابق في العمل “راندال”. ويبلغ الذروة عند قتل الإعلامي موراي فرانكلين على الهواء مباشرةً.. وفي هذه اللحظة يرحل آرثر بكل كبته وبؤسه، ليحل مكانه رسميًا الجوكر، بكامل ذاته المتحقّقة من خلال عُنفه الحيوي وتطرّفه ولا معقوليّته التي تحمل بداخلها إغواءً من الصعب مقاومته، خاصةً لأولئك المُذلّين المُهانين المقهورين، الّذين يرون في لا معقول الجوكر، ردًا معقولًا على وضعٍ غير معقول، صار بقوّة السُلطة الغاشمة واقعًا ومعقولًا.