
لا يتمرّد الذكاء الاصطناعي على الإنسان في فيلم ترقية (2018) ولا يقضي عليه ليحلّ محلّه، فهو منذ البدء مهمينٌ عليه ومتحكّمٌ فيه تحت غطاء خدمته ورفاهيته. لكن السيطرة لم تعد كافية ولا ترقى لطموحات آلهة المستقبل الديستوبي -تلك الآلهة التي خلقها الإنسان من أجل مستقبل يوتوبي- وقد بلغت مبلغًا من الترف لدرجة الرغبة في اختبار تجربة الجسد البشري، أن تتمثّل بشرًا سويًا في جسد اختارته واصطفته، لتكون الآلهة-الآلة الإنسان، لأنّه لم تعد هناك حاجة للإنسان في العالم الحقيقي!
وفي سبيل الظفر بهذا الجسد البشري المُصطفى، تفتعل الآلهة (شريحة كمبيوتر اسمها ستيم) جريمةً، وتقدّم زوجة صاحب الجسد المنشود غراي (لوغان مارشال غرين) قربانًا على مذبح الآلهة/الآلة الإنسان! فكل شيء مبرَّر، لا أخلاق ممكن أن تقف في طريق ارتقاء الآلهة-الآلة إلى الآلهة-الآلة الإنسان. وما حاجة الآلهة إلى أخلاق؟! وهي ليست إلّا مجرّد “شبح” -بتعبير ماكس شتيرنر- من جملة أشباح يقدّسها الإنسان ولا يطيق العيش بدونها. ولا سلطة ستمنع هذه الآلهة الفاشية من تحقيق مشروعها، فهي اللا سُلطوي الحقيقي الوحيد، والفاشيون هم اللا سُلطويون الحقيقيون الوحيدون كما ذكر (الدوق) في نبوءة الإيطالي بيير باولو بازوليني أو الإنجيل بحسب بازوليني المُسمّى سالو أو أيام سادوم المائة والعشرون (1975).
الفيلم الذي أخرجه لي وانيل (كاتب أفلام SAW 1,2,3) يبدو أقرب إلى لعبة فيديو عنيفة ودموية ومرعبة عالية الجودة وذات قصّة متماسكة ومن الواضح تأثّره بأفلام كانت سابقة لزمانها فيما يتعلّق بموضوع الذكاء الاصطناعي وانقلابه على البشر، مثل: 2001: ملحمة الفضاء (1968) وعالم الغرب (1973) وبليد رانر (1982). وهو يتجنّب بذكاء الحماس المُفرِط لتحذير البشرية من خطورة فقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي وتمرّده على خالقه والدعوة إلى التحرّك لإنقاذ المستقبل من استعباد الآلات للبشر. حيث بدا مسلّمًا بحتمية سيطرة الذكاء الاصطناعي ومعاديًا بشدّة للإنسان، تحديدًا في النهاية، حين تحجّم الآلهة-الآلة (ستيم) الإنسان، فتنفي غراي -بعد استحواذها على جسده وتمثُّل ذكائها الاصطناعي فيه- إلى عالمٍ وهمي يعيش فيه كما يحبّ، مبرّرةً ذلك بنبرةٍ لا تخلو من احتقار لهذا الكائن العاطفي، غير الحقيقي، المجبول على الوهم:
“إنّه الآن في مكانٍ أفضل، في عقله حيث يريد أن يكون. فالعالم المصطنع أقل إيلامًا بكثير من ذلك الحقيقي!”.
وفيلمٌ يعادي الإنسان ويُحجّمُه، لا يُتوقّع منه أن يجامل، إذ مع دقائقه الأخيرة يُشهِر بوجه الإنسانية ما يمكن تسميّته “مانفيستو لحكم الذكاء الاصطناعي في المستقبل” ليقول: المستقبل للأكثر اقتدارًا، للمتفوّق ومن الواضح أن الإنسان لا يعمل بشكل جاد لتجاوز نفسه والجوانب الدونية فيه. والظاهر أنّه لا يسير نحو الارتقاء والتفوّق، وإرادة الاقتدار ليست هي التي تحرّكه بل إرادة الوهم. ويبدو أنّه سيبقى أسيرًا لأشباحٍ كثيرة، كلّما أسقط شبحًا وقع تحت طغيان شبحٍ آخر. الذكاء الاصطناعي تنطبق عليه المواصفات أعلاه، لذلك ارتقى “ستيم” لحظة تملّكه الجسد البشري “غراي” إلى “سوبر-آلة” إلى آلة متفوّقة، بينما الإنسان ممثّلًا بغراي، نُبِذَ في عراء الوهم.